فاتني الطوبيس الأخير أو ربما أنا الذي وصلت متأخرا . فلم يكن هناك من حل سوى أخذ طاكسي أحمر. السائق كالعادة لا يكف عن الكلام، وأنا مضطر لمسايرته وتحمل ثرثرته الفارغة. في ربع الطريق ركبت معي سيدة في حوالي الأربعين من عمرها. شعرها منسدل على كتفيها، وجلبابها مفتوح بسخاء ناحية الصدر. طبعا جاءت في الوقت المناسب لتنقذني من الجحيم. انشغل بها السائق وتركني أتصفح الهاتف . لم أنتبه حتى توقف الطاكسي فجأة واصطدم رأسي بدعامة الكرسي. السائق مذهول و المرأة تنظر إلى الأمام بنظرات جاحظة. نظرت إلى الخارج فرأيت جسدا يتلوى على الأرض تحت أضواء السيارة . كانت سيدة مسنة تحمل خبزة صغيرة. رغم اصطدامها العنيف و رغم الدماء التي لطخت جلبابها الأخضر لم ترخ قبضتها عن الخبزة. تجمهر الناس و اتصل أحدهم بالاسعاف و آخر بالبوليس. أما أنا فانسحبت ومعي المرأة التي عرفت أن اسمها لطيفة. كان بيتها قريبا بعض الشيء، مشينا حوالي ربع ساعة حتى وصلنا إليه. شكرتني و اقترحت علي أن أصعد لتناول الشاي. اعتذرت بلطف. فكررت دعوتها وقالت أنها تحتاجني لأساعدها في جلب البوطة. ترددت صراحة. انتابني الشك. صحيح تبدو امرأة محترمة ومتفتحة و الإقامة هادئة، لكني لم أكن مرتاحا للصعود. وأمام الحاحها وافقت. كانت الساعة في حدود العاشرة والنصف. لم نقابل إلا الكونسييرج الذي منحته عشرين درهما فارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة. ربما هي معتادة على ذلك. هنا فكرت لماذا لم تستعن به لجلب البوطة. في الحقيقة خطرت لي فكرة الهرب ،لكني لم أشأ أن أبدو أمام نفسي بصورة الجبان. عزة نفسي جعلتني أستمر في المغامرة. حين دخلنا طلبت مني الجلوس في الصالون. كان صالونا حديثا ،فيه ثلاث كنبات من النوع الطويل . ثريا فخمة و تلفاز معلق على الحائط. كنت متوترا بعض الشيء، خصوصا حين رأيت صورة كبيرة فيها رجل يحمل سكينا ملوثا بالدم. بعد قليل جاءت تحمل صينية فيها كأسيْ عصير و طبسيل حلوى. وكانت ترتدي فستانا خفيفا بلون أحمر حمرته تشبه حمرة الدلاح. قالت هذا العصير سيساعدك على استرجاع طاقتك .بصراحة شككت فيها. أخبرتها أن الوقت متأخر وعلي الذهاب. ألحت علي لأشرب العصير. فشربت . بدأت تحدثني عن حياتها. عن زواجها وطلاقها . عن شعورها بالوحدة و الوحشة. كانت تتعمد وضع يدها على فخذي، بصراحة شعرت بالاثارة، وبدأت فكرة مضاجعتها تلوح في مخيلتي...
يتبع
كاتب وصحافي ودكتور Yassine Kamaline ياسين كمالين
0 تعليقات
أكتب لتعليق