سـبعة عشرة سنة تبلغ أمي من العمر حين وافقت على الزواج من أبـي، لم تمضي سوى سنة حتى صارت أمي حبلى، وانتفخ بطنها مع مرور الأشهر الأولـى، لم تكن حينها الأمور تسير جيدا بالنسبة لأبـي، إلا أن أمي كانت امرأة صبورة مكافحة، ولم تتخلى يوما عن يـد أبي، لقد كانت له السند والروح آلتي كان يتنفسها، حتى لأنه يحب أمي حبا شديدا، وهذا أمر أحسست به وعايشته رفـقتهم...
الأمومة تقترب من معانقة أمي، كل ما لامست بطنها وربت عليّ، ذلك الإحساس المشبع بالحب عنـد الأنثى، أخيرا ستصير أما لطفل لم يتبقى له الكثير ليتخلص من رحمـها ويتحرر منه، قادما من العدم نحو هذه الدنيا الـملعونة، اختارت لي حينها اسـما، واشترت لأجلي حاجـيات، ورتبت كل الأمور احتفاء بقدومي الوشيك، غير أنها اصطدمت بأخبار سـيئة، أخبار لم تكن في الحسبان، كلحظة اصطدام أمواج البحر بالصخر المنحوت على جنباتـه، لغاية الأسف لن تستطيعين أن تواصلي هـذا الحمل، اضطر أن أخبرك أنه من الازم اجهاضـه، بل من الواجب عليك أن تجهضيه قبل فـوات الأوان، الحياة مخيرة بينك وبينه، واحد منكم يعيش والآخر أجزم أنه من المستحيل أن يــفعل، شاءت الأقدار أن تسير بالأمر على هذا النحو، أعرف مذى حزنك حيال الأمر سيدتي الكريمة، أعرف مشقة تحملك للوضع الغير المتوقـع، غير أن الأقدار تباغتـنا وتباغت ضعفنا، هكذا أخبر الطبيب أمي فيما كان ملما بالمغادرة، فيما كانت أمي محطمة منهوكة في أحضان أبي، محاولا التخفيف عنها، أعرف أن أبي حينها كانت تهمه أمي أكثر من الطفل القابع في بطنها، بل لربما تمنى أن تجهضه على وجه السرعة قبل أن يتفاقم الوضـع، ذلك أن أبي لن يقاوم فراقها بسبب جنين ملعون، لا بأس في تكريـره، لا بأس في إعادة إنشاءه من جديد، ذلك أمر ممكن، الغير الممكن هو أن تعاد أمي، ولن يجد مثلها من وجهة نظره....
أشك أن أبي قضى ليالي طويلة محاولا إقناع أمي بالإجـهاض، بل حاول اقناعها بشتى الطرق، لربما تضرع إلـيها بشتى الوسائل، لربما سجد أمامها راجيا منها أن تعمل بنصيحة الطبيب، إلا أن أمي قاومـت، رافضة الأمر جملة وتفصيلا، لقد عصت أبي والطبيب معا، عصت الإثنين لأجل هذا النذل، لآ أعرف ما الذي كان يغري في هذا الجنين، لقد أخبرت أمي أبي أنها مستعدة أن تموت لأجل جنينها، معتبرة موتتها شهادة، حتى أنها قد عانقته فيما كان هو شاردا حزينا يبكي كطفل صغير، عاجزا في أن يمنعها، لقد خرجت الأمور بين يديه، وأمي لن تستسلم لرغبته المنطقية، بل أبي من استسلم، لقد أخبرته أنها تحب جنينها حبا شديدا، انها واقعة في غرام طفلها حتى قبل أن تراه، حتى قبل أن تلمحه وتقبله..
أشك أن أبي قضى ليالي طويلة محاولا إقناع أمي بالإجـهاض، بل حاول اقناعها بشتى الطرق، لربما تضرع إلـيها بشتى الوسائل، لربما سجد أمامها راجيا منها أن تعمل بنصيحة الطبيب، إلا أن أمي قاومـت، رافضة الأمر جملة وتفصيلا، لقد عصت أبي والطبيب معا، عصت الإثنين لأجل هذا النذل، لآ أعرف ما الذي كان يغري في هذا الجنين، لقد أخبرت أمي أبي أنها مستعدة أن تموت لأجل جنينها، معتبرة موتتها شهادة، حتى أنها قد عانقته فيما كان هو شاردا حزينا يبكي كطفل صغير، عاجزا في أن يمنعها، لقد خرجت الأمور بين يديه، وأمي لن تستسلم لرغبته المنطقية، بل أبي من استسلم، لقد أخبرته أنها تحب جنينها حبا شديدا، انها واقعة في غرام طفلها حتى قبل أن تراه، حتى قبل أن تلمحه وتقبله..
في أمسية الخميس من عام 1990 بالظبط في الخامس عشرة من شهر شتنبر، أي في منتصفه، تخطف سيارة الاسعاف أمي من المنزل، متوجهة بها إلى المشفى، عقارب الساعة كانت تشير إلى الرابعة عصرا، توقع أمي الاوراق بخصوص تحمل مسؤوليتها إزاء العملية الوشيكـة، لأنها لن تلد بطريقة طبـيعية، من المفروض القيام بعملية لتيسير الـولادة، وأنها بنسبة تسعة وتسعين بالمئة، قد تفارق الحياة، من المؤكد أن الجنين سينجو، إلا أن أمه قد تلوح روحها عنان السماء في أي ساعة...
عانق أبي أمي آخر مرة، حتى لأنه كان مشهدا مؤثرا، صورة مملوءة بالمشاعر والحزن الممزوج بالأسى، تم التوقيع من طرف أمي وبصمت على حياتها الأخيرة ربما، غادر أبي المشفى باكيا منكسرا، يجر آلامه خلـفه وامامه، حتى أنني لا أشك في أن يكون قد لعنني طوال الطريق، ربما حتى أنه توعدني أنه سيظل يكرهني ما إن فارقت أمي الحياة...
عانق أبي أمي آخر مرة، حتى لأنه كان مشهدا مؤثرا، صورة مملوءة بالمشاعر والحزن الممزوج بالأسى، تم التوقيع من طرف أمي وبصمت على حياتها الأخيرة ربما، غادر أبي المشفى باكيا منكسرا، يجر آلامه خلـفه وامامه، حتى أنني لا أشك في أن يكون قد لعنني طوال الطريق، ربما حتى أنه توعدني أنه سيظل يكرهني ما إن فارقت أمي الحياة...
المشفى يكاد ينكسر بصراخ أمي، لقد سمعها من كان بالمشفى وحتى من كان يمر بمحاذته، انتشرت قصة المرأة الموقعة على حياتها، الدعوات كانت تتلوا في كل ردهات، في منتصف الليل خرج هذا الشـقي إلى عالمكم المنحوس، وصرخت أول صرخة ألـم، طبيبات كثر كانوا برفقة أمي، لقد سمعوا بها، ووافقوا على مساعدتها بكل الوسائل المتاحة اعترافا بتضحيتها، عم الخبر في المشفى وانطلقت الزغاريد، كانت أمي ما تزال حية، لقد ولِدتُ لحظتها كما ولدت أمي من جديد...
خلدت أمي في المشفى شهرا كاملا، عانت فيه كل المعاناة، فبعد مرور عشرين يوما، أعاد الطبيب تخيط بطنها دون أن يستعمل البنج، ذلك أنه من المستحيل إعادة التبنيج في ظرف أقـل، حين كان الطبيب يخيط بطن أمي كانت هي تقاسي في عذاب صارخة ملء حنجرتها، لقد عاشت أمي أحد أسوأ السنوات أيام ولادتي قبل وبعد، أحمد الله على أنها لم تفارق الحياة وإلا لكنت اليوم انـبذ نفسي والعنها، تظل أمي الصديقة والحبيبة الخالدة في قلبي، لو كان بإمكاني أن اهب لها عمري لما ترددت لحظة، أدعوا الله أن أموت قبلها، إنها أمنيتي الوحيدة، فـإذ حدث العكس فإنني ساشنق نفسي دون تردد، إن فارقتُ أمـي لن يكون لي أي مبرر لأجل الـبقاء @
خلدت أمي في المشفى شهرا كاملا، عانت فيه كل المعاناة، فبعد مرور عشرين يوما، أعاد الطبيب تخيط بطنها دون أن يستعمل البنج، ذلك أنه من المستحيل إعادة التبنيج في ظرف أقـل، حين كان الطبيب يخيط بطن أمي كانت هي تقاسي في عذاب صارخة ملء حنجرتها، لقد عاشت أمي أحد أسوأ السنوات أيام ولادتي قبل وبعد، أحمد الله على أنها لم تفارق الحياة وإلا لكنت اليوم انـبذ نفسي والعنها، تظل أمي الصديقة والحبيبة الخالدة في قلبي، لو كان بإمكاني أن اهب لها عمري لما ترددت لحظة، أدعوا الله أن أموت قبلها، إنها أمنيتي الوحيدة، فـإذ حدث العكس فإنني ساشنق نفسي دون تردد، إن فارقتُ أمـي لن يكون لي أي مبرر لأجل الـبقاء @
أحبك أمي أيتها المرأة القديسة.. أحبك يا إلهي العـظيم.
0 تعليقات
أكتب لتعليق