كالس فالقهوة هاذ الصباح كرجل صالح يقبل كوب قهوته السوداء بأدب، ويضعها بلطف وحنان على ظهر طاولة متسخة، تعلوها بقع رمادية لرذاذ براد شاي سبق أن مر من هنا تاركاً أثره.. يدخن سجائره الكريهة بعمق واحترافية كبيرين؛ وبين الفينة والأخرى، يلقي نظراته لبعيد كشاعر فاشل دخل في لحظة صراع مع إلهمامه يحاول كتابة قصيدة. قصيدة مبتذلة وسخيفة لا يعجب بها أحد سواه؛ ولكي يداري خيبة فشله وتطاوله على الشعر، يجيب على ذاك السؤال الفخ؛ لمن تكتب؟ بأنه يكتب لنفسه وليس لأحد آخر...
كالس في هدوء وسكينة، أشاهد عراك مياومين سئما من الانتظار؛ انتظار من يطلب قوتهم الجسمانية، وحين تعبا تناوشا فيما بينهما ككلبين مراهقين.. بدت لي مناوشتهما - في البداية - مناوشة مزاح وتسلية. لكن على ما ظهر؛ ولما استشعرا سخونة تسري بأطرافهما الباردة، تحولت المناوشة لعراك جدي يحاول كل واحد، وبما ملك من جهد وقوة، أن لا يسمح للآخر بأن يسقطه أرضا..
لعنتهما معا.. ولحظة كنت أرسل اللعنات جزافا لكل من يخطر لي على بال؛ دازت من قدامي درية تملك فورمة جذابة.. تجر خلفها تلة لحم تتهدهد من وسط جلباب أخضر مفتوح.. شابة في نهاية عقدها الثاني، الطولة والتجريدة، وساعد طول جدعها على انكشاف مؤخرة تتهادى لها البنيان، وتعود الروح لجسد عجوز يحتضر.. فتنت بها، ولم يعد يهمني من سيفوز في عراك المياومين، مدام أنهما منهزمان أمام جبروت قطعة الخبز المرة هما معا..
مبقيتش قاد نصبر؛ إذ فارت غرائزي الجامدة، وكشاب سوي الميولات لم يمارس الجنس منذ شهور خلت، نضت تبعتها وشعاري: لي ما شرا يتنزه.. اللحظة فاش قمت من فوق الكرسي؛ أشرت للنادل المنتبه بإشارة مفادها " هاني راجع"؛ فظل يحدق في بعينين ثابتتين كأنه يرد " راه الحساب ثقل".. لم أهتم لنظراته العنيدة تلك.. فهو نادل حقير لا يتوانى في استعمال بن فاسد لا يصلح حتى لتضميد الجروح؛ فما بالك بالشرب والتذوق.. خليتو كيشوف في والله أعلم بما كانت شفاهه تتمتم، وانطلقت خلف صاحبة تلك المؤخرة المتمايلة، ممسوقش لنظرات الآخرين؛ غير مبال بما قد يقولونه عني؛ فهم لن يقولوا خيراً فيك مهما فعلت.. أسير خلفها منصاعا لتمايلها المستمر، مسلوب الإرادة ومعمي (بتشديد الميم) البصيرة، بحال ذاكشي ديال السماوي الله يداوي. شوية دخلت للمستوصف الصغير، وخلفها دخلت متظاهراً بالمرض والعلة.
المستوصف البئيس بالفيلاج لا يصلح إلا لضرب المواعيد الغرامية، وصار هو ملاذ التلاميذ والتلميذات للقاءاتهم هرباً من أعين المتلصصين. ويحكى أن شاباً في الفيلاج تعرف على زوجته بالمستوصف وهما ينتظران؛ وبما أن الطبيبة لا تحضر إلا وقت تريد هي؛ ووقت الانتظار طال، تعرفا على بعضهما البعض، واتفقا على الخطوبة وموعد الزواج، ولو كانت الطبيبة قد تأخرت نصف ساعة أخرى؛ لأنجبا ابنهما الأول فوق كرسي الانتظار..
المهم دخلت وراها عابس الوجه كشخص يعاني من تسمم غذائي، وبجانبها جلست كمريض ينتظر دوره للكشف.. بديت كنين واضعا راحة يدي على الجانب الأيسر من قفصي الصدري.. أنا صح من ظالم؛ غا هو كان علي نمثل دور المريض لعلي أثير شفقتها وتبادر في الكلام.. كان علي بدل مجهود ومنح الأنين نبرة صوت حقيقية.. وفعلا؛ ومن بعد فرعت ليها راسها .. " أي مي مي. .. أي مي مي "... دارت لجهتي وسولاتني:
- مالك أخويا ياك لباس؟ وقيلا محن؟ ؟
- أه أختي محن بزاف.. واحد النخسة جهة القلب كتزيرني مرة مرة؟
ظهر لي بانها لم تقتنع، وعيناها تتفحصان وجهي الكئيب باستغراب:
- واش كتجيك ديما ولا غا مرة مرة؟
- كتجيني أختي مرة مرة. . وفين وفين فاش كتجي، ودابا غا شفت هاذ الخير لي هازة وراك وهي تشدني بزاااف كاااع..
مجيت فين نكمل ليها تشريحي الدقيق لحالتي النفسية، حتى تفاجأت بيها تخرج عينيها في وبصوت مرتفع:
- تمشي تخرج علي من هنا ولا ندير صباعي فوذني ونعطيها للغوات..
مع شفتها سخنات، ومخافة أن يتطور الوضع لما لا تحمد عقباه.. قفزت من بلاصتي وكلت يا فكاك يا عليم. قدام الباب، واللحظة فاش أنا خارج هربان، واحد الفرملي صاحبي يالله جاي داخل. مع شافني ممتقع اللون سولني:
- ياك لباس أحسن.. يا ممريض؟
تلفت وشفت ذيك السيدة بقا كتخاصم.. درت لعندو، وأنا غاذي خارج :
- لا بريت ووليت بخير..
الحمد لله على سلامتي.. هاذي والتوبة.
0 تعليقات
أكتب لتعليق