خلا الإيمان فالجامع وخرج يقلب عليه برا..

الأحدث

6/recent/ticker-posts

خلا الإيمان فالجامع وخرج يقلب عليه برا..






واحد يالله خرج من الجامع بعد أدائه لصلاة الجمعة بالفيلاج؛ ومع خرج، وابتعد عن الباب قليلاً، مسافة تسمح باحترام قدسية ذاك المكان، أو هكذا توهم وهو يعد الخطوات متقدما.. ميتلاقى غا من القوادة "خدوج" عائدة من مكان ما تجر قدميها المتعبتين..
خدوج قوادة تبلغ من العمر أرذله، وبالرغم من الشيب الذي غزا شعر رأسها، والتجاعيد التي ملأت وجهها الدائري، وأمراض شيخوخة لا ترحم.. إلاَّ أن ملامح وجهها ظلت تؤشر على أن "خدوج" كانت ذا جمال آخاذ...
بجلبابه الأبيض الناصع توقف يحدثها ويقهقه. غير مهتم للذين يمرون بجانبه ويرمقونه بنظرات شك في إيمانه؛ وحتى هي، ولطول السنين التي قضتها بيننا، صارت متعود على نفاق الجميع.. تحدثا لبرهة؛ لخمسة دقائق أو ستة تقريباً. راقبتهما من واجهة مقهى شعبي حقير.
ولما انتهيا وكل سلك طريقه، لحقت "بخدوج" لاستفسرها عن سبب وقوفها مع رجل بالكاد صلى:
- واخدوج.. واخدوج..
إلتفتت تتفحص ملامح وهيئة المنادي.. وحين لم تجد سواي، نهرتني كعادتها كل مرة:
- ياك كلت لزبور مك متبقاش تعيط علي بحال إلى كتسالني الكريدي.. ها وذني منك..
أعرف أن خدوج تتحدث وفقط.. لا تستطيع فعل شيء، تريد أن ترحل بهدوء عن حياة عاشتها كمومس تتصارع كل يوم لتفرض وجودها. لو فعلت مثل هذا التصرف معها قبل ثلاثين سنة خلت؛ لكانت تصرفت بعنف اتجاهي. لكنها الآن؛ وبسبب الضعف والمرض، لا تحكم سوى على دزينة من الشتائم والسباب..
- الله يهديك أخدوج.. رآه غا كنغيط ليك وزيدون إنت كتعرفيني كنحتارمك.. أجي؛ أش بغاك ولد... وهو يالله خارج من الجامع وزعما إنت سمعتك كي الخرا..
هي تعلم أن آخر جملتي مجرد مزحة سخيفة. قلصت ملامح وجهها كأنها غضبت؛ وهي تجر رجليها مبتعدة:
- كاليك أسيدي بغاني نهضر ليه مع القحبة إيمان تدوز معه رأس العام.. واشوف إنت مع هاذ القوم، خلا الإيمان فالجامع وخرج يقلب عليه برا..
وزيدون إيمان مضمونديا شهر هذا من عند واحد الكوميسير..
فغادرت بنظرات حزينة على عدم طلب أحد لمؤانستها ليلة رأس السنة..
عدت للمقهى وأنا أفكر.
ربما علي دعوتها للشرب كي لا أجعلها تموت بحسرتها البادية في عينيها.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Comments system

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *