الموت هو الشيء الوحيد الذي ما زال يحكم بالعدل لا يعرف القوي ولا الضعيف ولا الغني ولا الفقير.....
الموتـ هو نهاية محتومة بـانتظارنا، نـولد فجـأة ونأتي للحياة دون إرادة منا، نصير أطفالا ثـم نكبر، زهرة شباب ثـم تـذبل، نشيخ ونعجز و في نهاية المطاف تعانقنا الموت في أحضانـها، هناك نهاية إذا، ولهذا أردت أن أتحدث عن نهايتي، نهايتي الوشيكة، هكذا اعتقدها محسنا بها الضن، قلت الوشيكة نظرا إلى عامل سرعة الزمن، الزمن الذي وكأنـه يركض بسرعة الضوء غير ابه بما يخلفه ورائـه، الزمن الذي ينقضي فجأة، كشمعة تذوب على الشمعدان حتى تصبح لآ شيء، كأن ضوئها ما خفت البارحة، الموت قريب منا دائما، بل أقرب من ما يمكن أن نتصوره، أقرب من ما يستشعره خيالنا المحدودة..
اخـال أحيانا موتتي قريبة، واخالها مرة بعيدة، وبين القرب والبعد مسافة لا شيء، مسافة زمن فـان،ٍ سأموت بطريقة أو بـأخرى، غرقا في البحر، أو في حادثة سير بشعـة، أو وسط دوي انفجار، أو انتحارا بالمشنقة، أو بجلطة دماغية فجائية، الأسباب متعددة، والغاية واحدة، والمصير هو واحد دائما، هو الموت ولا شيء غيره، ولن أغير أي جزء في رقـم التركيبة الكثافة السكانية، لن أعني شيء لما يسمى بالنسمة، نكرة هو ما أنـا بالنسبة لها، لن يحزن العالم لأجلي، لن يدرك حتى من أنا، وماذا كـنت، ولما عشت أصلا، لن يأبه المارون بي، ولا المأسوفون علي، سأسحق كحشرة عالقة في القرن الواحد والعشرون، ولن أغير في رقم القرن حتى نصف صفر أو أقل منه...
سيكون جيدا أن لا يعبأ بموتي أحد، أن لا يحزن لأجلي أي أحد، أشفق على من سيشفق على جثتي، الشفقة على الأحياء، الموتى استغنوا عنها، أشفق على الباكين من حولي، الشفقة عليهم هم الباكين، أنا تجاوزت امتحان الحياة، بالآمها و أحزانها و سعادتها، تجاوزت الآمر وكفى، وانتهى من حولي كل شيء، أنا تخلصت من الدنيا، وهم ما زالوا لم يفعلوا، ما زالوا عالقين فيها..
أشفق على مغسلي، يغسل جسدا سيملأه التراب، كان أفضل لو يغسل وينظف جسد مشرد متسخ، أيغسل جسدا سينهشه الدود ويجعل منه أكلته المفضلة..؟؟ سيلف جسدي كفنا أبيض، مسرفين اوغـاد، كفنوا به حيا يقيه شر زمهرير البرد، اعطوه لمحتاج يقضي به حوائجه الدنيوية، يضيع الجسد في التراب ويضيع معه ثوب الكفن، حقا إنها مهزلـة..
ااسف على فقيه المسجد الذي سيصلي علي، حبذا لو لم يفعل، الصلاة على الأحياء، الموتى لا صلاة عليهم، سيجتمع فورا كل من هرب عليَّ في الحياة السابقة، سيتركون اشغالهم أعمالهم زوجاتهم، ليهبوا لأجل أن يحملوا جثتي فوق أكتافهم، يتصارعون عليها، تتخاطفها أيديهم، وآخرون يجرون خلفي، يتذكروا كل اللحظات آلتي جمعتني بهم، ثم تذرف عيونهم دمعاَ، ألا يكفي رجل وآحد يشيع جثتي، لما الجلبة، حقا لأنها مهزلة..
شرحوا جسدي، وهبوا قلبي لمحتاج نصف ميت في غرفة الإنعاش، هبوا كبدي لمريض سرطان، هبوا كليتاي لإنسان يعاني الفشل الكلوي ورحموه من وخز آلام الآلات المؤلمة، هبوا يداي ورجلاي لمرء ما، هبوا حتى احشائي لو أمكن لأي محتاج، هبوا خصيتاي لناكح فاشل وأنني أؤكد جازما أنهما العضو الأفضل في جسدي، وتـركوا قضيـبي السمين لأجل الوطن..
هبـوا هذا الجسد لكل محتاج، وارحموه من بطش الدود، لاتبنوا علي قبر ولا تزخرفوه، وفروا الإسمنت لمسكين ومحتاج، ولا تنثروا لأجلي الورد، احترموا حياة الورد لو سمحتم، لآ تعدموا حياة لأجـل ميت، دعوها تحيا آمنة بسلام، فكما عشت تستحق هي أيضا أن تعيش، لآ تدفنوا ما تبقى من جثتي، ذلك الشبر يستحقه المقيم في الكهوف، يستحقه ذلك النائم على أرصفة الشوارع، يستحقه المشرد المنبوذ، يستحق أن يكون بيتا لأحدهم رغم ضيقه، المهم أنه سيفي بالغرض، وما تبقى من جسدي من الأفضل أن تحرقوه بالـنار، ففي النهاية أنا معدم، في النهاية أنا لا شيء، والرب سيتفهم، أحبه ويحبني، أصلي لأجله بطريقتي، ويصلي لأجلي بطريقته، نعانق بعضنا دوما، عدا هذه المرة، حين نلتقي لن اعانقه، بل سـأسله غاضبا عن ماهية هذا العبث...@
0 تعليقات
أكتب لتعليق