مع نزلتْ من الطاكسي بأكادير هاذ النهر، هروباً من الفيلاج الممّل والرتيب، ومن فتياته الغبيات اللائي لا يردن الدخول معي في علاقة حميمية ستنتهي بفضيحة كبيرة.. وما إن خطوت مبتعداً، قليلاً، عن المحطة، حتى تلاقيت بشاب يكن لي الاحترام والتقدير، ولّاح لي في عينيه بريق دهشة من لقائه ـ الصدفة ــ بي ، و حسب ما صرّح به دون إجبار مني له؛ فإنه لا يفوّت منشوراً من منشوراتي السخيفة والتافهة، وأبدى امتعاضه من عدم قبول طلب صداقته المرّكون جانباً والمنسّي كمكنسة بلدية قديمة..
تبادلنا السلام والسؤال، وبما أن الساعة كانت قد اقتربت من الثانية عشر زولاً، الصديق عرض عليّ للغذا باش نشتارّكو الملّحة والطعام؛ وضمنياً، هو يرشيني لقبول طلب صداقته المُعلّق منذ مدة، وفي حال رفضت، سيهبط لي الطعام المشترك فالرّكابي ويصيبني بالروماتيزم.. أصرّ أن أرافقه بعد أن تظاهرت بالرفض.. ألحّ إلحاحاً، وتوجهنا معاً حيث غرفته التي يكتريها رفقة شابين يدرسان بالكلية..
الغرفة كانت مرتبة جيداً، وقارورة النرجلية مركونة بركن قصيّ تلمع، والمعسّل أيضاً متوفر بكثرة، وشمّمت رائحة عود ندٍ تفوح في المكان فتطرد الناموس العالق بين تلابيب ستائر نافذة مطلة على الشارع.. رحّب بي ترحيباً كبيراً، وتعمّدت أن لا أنزع حذائي كيّ لا أفسد تلك الرائحة الجميلة الفوّاحة، وجلست محتاطا من بقاء رجلي خارج نفوذ الأفرشة..
تحدثنا قليلاً، واستأذنني في الخروج لجلب الغذاء.. فعلاً السيد مشى جاب نصّ دجاجة بلوازمها وتقيّوتاتها ورجع سريعاً.. جاب حتى الدّيسير؛ وقرعة ليمونادا فانتا، كأنه يعرف أنها مشروبي المفضل من بين كلّ المشاريب الغازية الأخرى.. ولحظة كنا نتناول غذائنا، سولتو على صحابو بحسن نيّة، فأظهر في البداية خجلاً، لكنه، ومع اكتشافه أني اكتشفتُ خجله، اعترف تلقائياً:
ــ الدرّاري مشاو اليوم للبلاد، وأنا رتبت الغرفة حيث غتجي عندي صاحبتي مع الوحدة..
التفت حيث "الشيشة" تقف في شموخ وعزة نفس:
ــ أه عزيزة عليها الشيشة بنكهة النعناع..
حاولت أن لا أدخل معه في نقاش حول فوائد النعّناع واللويزة.. شعرت بخنقٍ شديد منه؛ فأنا لم أحظى بفرصة مثله بعد.. حسدته في داخلي وتمنيت أن تحضر الشرطة وتعتقله بعد خروجي مباشرة. فليس من الانصّاف، ولا العدل، أن يمّرح شاب من مواليد منتصف التسعينيات ويظل أخر، من مواليد منتصف الثمانينيات، وحيدا كوحيد قرن جريح.. أنا بغيت نسرّبي ناكل باش نمّشي فاسحاً له الغرفة ليلهو فيها على راحتِه، وحطيت الخبز، وتململتُ واقفاً راغباً في المغادرة:
ــ فين غادي أسي حسن؟؟
سألني مستغرباً من وقوفي المفاجئ ذاك..
ــ غنمشي، نخليك ترتاح مع صحبتك وشكرا بزاااااف على الغذاء الشهي..
أبدى اعتراضا مصحوباً بشهيق توتر، وطلب مني البقاء لحين التعرف على صديقته، على الأقل، حتى ندخن معاً "رأس شيشة" مع قطعة حشيش صغيرة.. أخبرته أني لا أدخن الشيشة ولي موقف منها.. لكنه تشبت ببقائي رغم عدم ميولي لدخانٍ بنكهة نعناع قديم..
شوية ها التلفون عندو كيصّوني.. ألقى عليه نظرة وهبّ واقفاً:
ـ ها هي جات وواقفة حدا الباب..
سوّيت شاربي بعناية، وتعمدت عقد حاجبي كي أظهر بمظهر مثقف لا يشقُ له غبار..
مع دخلات السيدة للغرفة، تبدل اللون فيها. وتخلعات، بحال إلا شافت خُوها. يالله سلمات عليّ بخفة، وهي تخرج متعلّلة برغبتها في الذهاب للمرحاض.. تبعها هو، وسمعتهما يتحاوران خارجا، وبعدها، سمعتُ الباب يُغلق بقوة..
السيّد رجع بوحدو عابساً مُكفهرّ الملامح، وشاف فيّ بخنق ورغبة في قتلي:
ــ نوض تقوّد خرج عليّ، دعيتك لله خرجت عليّ هاذ العشية..ندمت لاش عرضت عليك..
حاولت استقصاء ما وقع منه، وبلسان يطردني ويد قوية تدفعني للخارج، وأنا أخطو خارج باب الغرفة أحسّ بحرجٍ وغبنٍ قاسيين:
ــ السيدة كتعرفك فالفايس بوك، خافتك لتكتب عليها.. خرج عطيني بالتيساع ولباقيش ترجع عندي.. وحتى ديك لانفيطسيون متقبلهاش.. الله يلكّيها ليك فهاذ النهار..
غادرت مطأطأ الرأس، فهو يملك جسداً ضخم، وأيّ محاولة مني لرد الشائم عليه ومحاولة ايقافه عند حدّه..
ستكون نهايتي..
0 تعليقات
أكتب لتعليق