بعد ثماني ساعات قضيتها "فلاكاب" ديال المحكمة، في انتظار مجيء ممثل النيابة العامة المحترم جداً جداً، منشغل بقراءة طوابع حائطية لمساجين مروا من هنا، وخلدوا أحلامهم وأسماء من يحبونهم على ظهر جدار أبيض عجوز؛ ووصلت الوقاحة بشخص اسمه "الزيزوار"، عرض خدامته المجانية على هيفاء وهبي في حلاقة أعضائها الحساسة بالمجان.. كان جريئاً ابن اللعينة ذاك.. جرأته فاقت جرأة ذاك البدوي المغفل حين تقدم طالبا يد "إيفانكا" ابنة ترامب، عارضا عليها مئة ناقة كمهر لها..
كانت ثماني ساعات ثقيلة ومملة لم أذق فيها طعم الخبز.. اكتفيت بتدخين السجائر وشرب الماء مع التحلي بالشجاعة وطول النفس.. لم أكن أبتسم البتة، محاولا الحفاظ على وضعية حجابي في حالة تأهب قصوى للعبوس بأية لحظة.. تعمدت فعل ذلك كي لا يظنني سجين يتطلع لوجهي بعينين ذابلتين؛ فمن يدري، قد يكون هو نفسه "الززوار" بقامته الناشفة تلك، وعوض أن يحلق لهيفاء وهبي أماكنها الحساسة بالمجان؛ سيحلق لي أنا "بلا ماء"..
إني رجل جبان على أية حال..
رجعات للدار متعب ومهدود البدن، مصاب بقبط معوي حاد وآلام في المعدة تشبه آلام الدورة الشهرية. كنت عاجزاً عن الدخول لمراحيض "لاكاب" العفنة؛ لدرجة أنك ستستحمل سجن أبو غريب ولن تستحمل رائحتها.. ليس هذا فحسب، بل خفت من "الززوار" ونظراته لي المريبة.. تبدو على وجهه آثار ندوب قديمة ملتئمة.. يظهر أن لاشيء بقى له ليخسره بعد أن خسر نصف حاجب عينه اليمنى..
اطمانت الوالدة وابتسمت، إذ هي من فتح لي الباب.. شعرت بها سعيده.. بالنسبة لها، وكأي أم جاهلة بالقانون ومساطره، لا تفرق بين سراح مؤقت، وعرض على النيابة، والمتابعة في حالة سراح.. كل هذه الأحكام بالنسبة لها ملغاة لمجرد أن ابنها سيبيت الليلة في فراشها.. وحتى لو حكموا عليه بعشر سنين موقفة التنفيذ لا يهم، السجن لها هو خلف القضبان وعد صباحي، وبالنسبة لي أنا، السجن هو سجن الطموح والأحلام..
ما علينا؛ دخلنا ودعتني نتبعها للكوزينة باش نشرب الحريرة.. هي تعرف مدى عشقي للحريرية، أجبتها بأني سألحق بها بعد دقيقتين، وقصدت المرحاض.. أشعر بدوار في معدتي وأعتقد أنه، ربما، نداء الواجب اليومي في علاقتنا مع ديدان الواد الحار.. والو، كنتعصر كامرأة تحاول الولادة ورأس الجنين أكبر من المخرج، كنتعصر كمريض مصاب بتسمم غذائي.. أصبت بقبط لعين.. لاشيء عدا صوت الريح ورعد مصارين فارغة.. تقريباً شي نص ساعة وأنا فالمرحاض، هذا إذا أضفنا الستون ثانية مدة نزع السراويل الثلاثة كقشرة بصل. . نصف ساعة نقصت من عمري دون فعل شيء مهم.. دون أن أمنح لديدان المجاري طعاماً شهيا.
ملي فقدت الأمل خرجت وقصدت الكوزينة مباشرةً.. لقيت الواليدة خاوية ليا الحريرة وكتسنى، ومع يالله هزيت الجبانية بغيت نشرب، استفسرتني:
- فين كنت رآه الحريرة بردات؟
- كنت فبيت الماء. .
ومع بغيت نهز واحد التمرة جرات من حدايا الخنشة:
- واش إنت كانوا شادينك ولا عاصمينك حتى بقيت فبيت الماء كاع هاد الوقت، ونوض غسل يديك يا المعفون لاخور رآه كناكلو معك زعما.. انت رآه سرك نيت غا الحبس..
0 تعليقات
أكتب لتعليق