أستاذ الفلسفة قد أثر عليه أو أن عقله بدأ يختل ......

الأحدث

6/recent/ticker-posts

أستاذ الفلسفة قد أثر عليه أو أن عقله بدأ يختل ......








كان سمير أطولنا وأعنف، قسوته لا يملكها جزار. أنهينا مباراة للميني فوت في ملعب الحديقة مهزومين ، ونحن منسحبون أبصر قطة شهباء ، ركض خلفها فأفلتت واختفت بين الشجيرات. طلب منا أن نلاحقها داخل الحديقة المحاطة بسور. انتشرنا بحثا بين الشجيرات والأعشاب. عثرنا عليها رابضة تحت كرسي اسمنتي، حاولت أن تفر لكننا نحن الستة طوقناها ولم نترك لها فرصة. أمسكها من قفاها وابتسم كأنه مدمن عثر على قطعة حشيش بعد حرمان. تفرجنا دون أن نشاركه الطقوس، لم نكن نملك قلبه ثم هو لم يحب أن يشاركه أحد في غنيمته.
جلب الأدوات، زيزوار وقنب. وضع قوائم القطة تحت قدمه كأنها خروف العيد، أمسك الرأس ورفعه قليلا وذبح دون أن يذكر الله. كان معتادا على تعذيب القطط لكن هذه أول قطة تستشهد على يديه. علقها على شجرة وبدأ السلخ. كنا نضحك دون أن نتساءل، فما الفرق بين ذبح قطة وذبح خروف. لاحظنا أن سمير بدت عليه النشوة بعد عملية الذبح. ومنذ ذلك اليوم، تكررت العملية مرات لا تحصى.
ثلاث سنوات بعد ذلك. جاءت للسكن بدربنا أرملة مع ابنتها فتيحة. فتاة تملك ما يكفي من الإغراء حسب مقياس حي شعبي في بداية الألفية. أعجبنا بها جميعا لكن سمير كان المحظوظ. رغم قسوته كان يملك شيئا من وسامة السوريين وحلاوة لسانهم. وكان مدكوريا مثل الفتاة. لا أقول أنه أحبها ولكنه أعجب بها ثم حصلت الألفة ولم يعد راغبا في فراقها. هي أيضا ارتبطت به بشغف ساذج مفرط، فرغم أنه كان يعنفها بالصفعات والشتائم لأتفه الأسباب لكنها كانت تعود إليه كأن صفعا لم يكن. يضربها ولا يترك أحد يعتدي عليها. فتاة بلا أب ولا أخوة كانت في حاجة إلى شخص تشعر معه بالأمان في حي مشهور بكثرة زبائن عكاشة ومدمني المخدرات.
أمها كانت تبيع الحريرة والمسمن في السوق، وتنفق على تعليمها لعلها تنتشلها يوما من البؤس. التصقت بدماغ سمير فكرة الزواج، وصار يوميا يكلمنا عن الموضوع. كنا نظنه يمزح فليس متوقعا أن يتزوج وهو يدرس في الثانوية ووالده مستخدم بائس في كوزيمار.
ذات عشية صيفية أردنا أن نلعب مباراة في الميني فوت، طرقنا باب سمير فأخبرتنا أخته أنه خرج قبل قليل. فتشنا في كل الأزقة القريبة فلم نجده. لعبنا من دونه فهو ليس زيدان. لكنه كان يفيدنا بتدخلاته العنيفة، يزرع الرعب في قلوب الأعداء. حين عدنا بعد المباراة وجدنا تجمهرا غير مألوف في الدرب.
كان سمير قد اعتاد الذهاب عند والدة فتيحة في السوق ، يشرب الحريرة ويقرقب الناب. بلسانه الحلو استطاع أن يستميل المرأة. وكان مرارا يخبرها أنه سيأتي رفقة والديه للخطبة فتارة تقول له يكون الخير، وتارة تخبره أنها مازالت صغيرة. تأخذه على قدر عقله. ويبدو في المرة الأخيرة أنها كانت في مزاج سيء. عندما فتح الموضوع قالت له أنت مازلت برهوشا يصرف عليك أبوك وابنتي سأزوجها لرجل. يحكي الزبائن الذين شهدوا الواقعة أنه وصفها بالعاهرة وقلب الطابلة ببرمة الحريرة واختطف السكين وطعنها في البطن.
لحسن الحظ كان السكين غير مشحوذ فلم تصب المرأة سوى بجرح سطحي. و نجحت نسوة الدرب في جعلها تتنازل عن وضع شكاية.
لم يتعظ سمير ولم يندم على فعلته. فقط شعر بالأسى لأنه لم يغرس السكين بعنفوان . نجحنا في العثور على قطة سمينة أهديناها إليه لعله يهدأ وتنطمس من رأسه الأفكار الدموية بخصوص المرأة. وبات عندي أياما حتى نجح والدي في إقناع والده بالعفو.
كنا جميعا نحاول أن نتظاهر بالورع، يوم الخميس نذهب إلى الحمام وفي الغد نرتدي فوقية بيضاء ونتأبط زربية ونمضي كعصابة بمشية استعراضية إلى المسجد الكبير. لكن سمير لم يكن يشاركنا، بل كان دائم السخرية من الفقهاء وحركات الصلاة. المسخوط كثيرا ما غنى أغاني حسني بأسلوب الفقهاء. لكن مؤخرا لم يعد يكتف بالسخرية من الفقهاء والقرآن بل أخبرنا أن الله وهم. فشككنا في أن أستاذ الفلسفة قد أثر عليه أو أن عقله بدأ يختل.   

إرسال تعليق

0 تعليقات

Comments system

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *