عيد الحُـبّ..
في الدوّار لا يعرفون أن للحبّ عيد؛ وأن اللّون الأحمر هو لونه الأبدي الدائم، مع العلم أن لـون البَـنفسج أكثر مُلاءمة له.. لا يعلمون أن هناك شخصاً بليداً مات بسبب عشق تافه، أو إنتحر لهُيام ولوعَـة، أو جُـنّ لأن صبابة امرأة مُتمنعة غزّت قلبه. لا يَـدرون تفاصيلَ تلك القصص التي توارثها التاريخ من جيل لجيل حتى وصلتنا، دون أن نسأل، أفعلا وقع هذا؛ أم مجرد بهتان ما عليه سُلطان.
يجهلون أن هناك يوماً للعاشقين.. فيه يدخلون الحـمّام، ويحلّقون كل زغب أجسادهم، ويُنشّفونها بفوطة عَطرة.. يدهنونَ مُرهماً مرطباً للجلد. يُـصفّفون شعر رأسهم، وينتقون أجمل بذلة تضمها دوّاليبهم المَكسورة. يتعطرون بعطر فـوّاح، يقصدون محلّ ورود أو هواتف أو إكسسوارات.. يختارون هدية ويلفونها في كاغيط مُذهب. يضعونها في علبة أنيقة مزركشة بقلبين مَـشبوكين لبعضهما البعض، وعبارة "أحبك" مكتوبة بالأحمر الفاقع تحتهما. ينتظرون المساء، حين يحلُّ الظلام، يلتقون مع حبيباتهم. يطلبن منهن إغماض أعينهن للحظة. يفعلن ما يطلب منهن لأنهن يحفظن تاريخ اليوم كتواريخَ ميلاد لا تُنسى، ويعرفن أن الأمر مُـتعلق بهدية.
تُفتح الهدية، تنفلت منها صرخة خفيفة وتسرع لطبع قبلة على حنك حبيبها الأيمن؛ أو الأيسر؛ فالأمر سـيّان. تضمه بعنف مقصود، وتشكره على الهاتف الآيفون البالغ ثمنه سبعة آلاف درهم. يهنؤُها بالهدية،يتأبط ذراعها النحيل، ويقصدان مطعما صينيا كان قد حجز طاولة فيه عبر اتصال هاتفي كلّفه ثلاثة دقائق من وقته الثمين.
يتعشيان مع مراعاة البريستيج ، وعند حلول الحادية عشرة ليلا بالتمام؛ يركبا السيارة في اتجاه شقتهِ؛ التي كان سرير غُرفة النوم فيها، مُـغطى بإزارٍ أحمر ينتظرهما. لكن قبلاً، سيقرعان بضع كؤوس الشراب، الشامبانيا؛ أو نوعاً آخر جيد.. سيرقصان على إيقاعات غربية. ودون شعور منها، وبعد أن تضع الكأس على الطاولة، سينتشلها من الأرض حاملاً إياه، كعروس ليلة دُخلتها، لغرفة النوم المضاءة بمصابيح حمراء خافتة.
هذا مَشهدُ من يليق بهم عيد الحب.. لا تثقل كاهلهم لا قُفة، ولا يفكرون في كيس الدقيق، ولا في فاتورة كهرباء مرتفعة. لا يضرّهم لا جفاف ولا يصيبهم المينانجيت والليشمانيا. لا تتعبهم الأعمال الشّاقة، ولا يخيفهم الطبيب حين يكتب روشيطة الدواء، يخافون من غلائه ومن مُرّ بلعِه.. لا تُرهبهم الموت، ولا يحتاجوا لأن يكذبوا، ويتغزلونُ إفتراءً، كي تصدقهم خليلاتهم وتمكنهن من مضاجعة خفيفة. . لا أزمة "برتوش" يعانون منها، بل نصف شقق المدينة تحت أمرهم. لا يوقفهم الشرطي في نقطة المراقبة، ولما يُخفض السائق نافذتها قليلاً، وقبل أن يطلب منه الشرطي أوراقها، يسأله : "شكون هذيك لي معاك".
هؤلاء لا تهمهم أخبار الباعة المتجولين، ولا كم وصل ثمن كيلو واحد من البصل. لا يقرؤُون الجرائد بالعربية، بل يمسح بها السائق زجاج السيارة الأمامي من رذاذ ندى الصباح.. لا ينامون بنفس تبان البارحة، ولا يبولون واقفين في بالوعة المرحاض البلّدي. لا يتغوطون ويمسحون بطوب الأرض. لا يتسوقون كل أحد بحقيبة يد مجرورة. لا يلتفتون لشخـصٍ مخمور يلعن أبويّ شخص أخر يريد ضربه. لا يتزاحـمون معنا في طوابير المستشفيات ولا أمام مكاتب المقاطعات. لا يقطعون الطريق من أي مكان صادفوه، بل يصّرون دائما على قطع الطريق من ممّـر الرجلين. لا يلحق بهم الذباب لأن روائحهم دائماً زكية.. لا يرتدون قمصانهم حتى تُسّود من العنق..
لا يجدون وقتا للنميمة في بعضهم البعض.
نحن لا يليق بنا الإحتفال بعيد الحب، لأن كل هذه الأشياء فينا. الأفضل أن نختار يوما ونحتفلَ فيه بالزّلط...أو بالكُـره
فَوحدهما يقبلان بنا كما نـحن.
0 تعليقات
أكتب لتعليق