خرجوا صحّاب "السترات الصفراء" للشوارع احتجاجاً على سياسات ماكرون تُجاه الطبقة المتوسطة والأدنى من المتوسطة بقليل، ولي تأرجحّت مسيراتهم واحتجاجاتهم ووقفاتهم بين السلمية والهتافات الناعمة؛ تارة، وبين حرق وعنف ومواجهات تارة أخرى.. تم الاستماع لهم بروية واهتمام وانتباه وجديّة.. وترجّل الرئيس على قدميه يجوّب الازقة - بزز من دينمّو - والشوارع، مصغياً لمطالب الناس من النوافذ والشرفات ومن خلف الابواب الموصّدة.. حتى باش يهبطوا عندو مهبطوش، وأُجبر على الوقوف تحت الشمس وتلقف شكاوي واحتجاجات المواطنين الخائفين على مستقبل فرنسا، قبل مستقبلهم هم وأبنائهم؛ كيما صرحت بذلك عجوز فرنسية بقات ليها يومين وتموت مع أن لا أحد يعرف تاريخ انتهاء صلاحيته بالضبط.. هادشي ما مُهمش حيث كيبان لينا، كشعوب مقموعة ومضطهدة، بحال شي فيلم من الخيّال العلمي.. وسط المتظاهرين لي تختلف مذاهبهم وايديولوجياتهم ونوازعهم السياسية، وتَجمعهم المصلحة العامة، مصلحة الوطن/ الشعب؛ ولون السترة، ناضوا شي (بلانكيين) حرقوا العلم الفرنسي تعبيرا عن غضب يسكنهم تجاه الرئيس وسَدنة المسؤولين المتحلقين حوله.. وفي حركة انفعالية حماسية جدا، جبّد واحد المتظاهر غاضب جدا الولاعة وشعل النار فالعلم الفرنسي، في رسالة مُبطنة، صامتة، أن كما أحرقتم جيب الفقراء بفرض المزيد من الضرائب والإتاوات، سنحرقكم في يوم ما لا محالة.. المفروض ان الصحافة الفرنسية والمسؤولين والعياشة ديالهم يبداو يبكوا ويندّدوا وينتحبوا على العلم لي تحرق، ويعتبروا الفعل إساءة لفرنسا وللفرنسيين وللثوابت الوطنية، مع أن من أساء للفرنسيين أكثر؛ هي قرارات ماكرون المُجحفة والفوقية المتتصرة للأغنياء ولرؤوس الأموال.. ممّشاش النقاش في اتجاه المطالبة بمعاقبة من أحرقوا العلم وتلقينه درس في الوطنية القُحّة، وعبره، تمرير تحذير شديد اللهجة للآخرين، بأن الوطن هو عَلم يتعلم أطفال الروض رسمه قبل تعلمهم رسم اي شيء آخر، وأي تطاول على القماش هو تطاول على الوطن.. مسلكش النقاش مسلك التخوين ونظرية المؤامرة وتجريم البلانكيين المتمردين، ولا احد من الفرنسيين كلهم تجرأ وسحب منهم وطنيتهم أو زايد عليهم في منسوبها.. النخبة فرضت على النقاش يسلك مسار آخر غير ذا المفتعل عندنا هنا.. طرح السؤال/ الاشكال..
لما كره هؤلاء فرنسا والوطن؟..
مشى النقاش فهاذ الطريق وكل يحاول من موقع الأكاديمي، مجال تخصّصه، طرح إجابات مقنعة.. الناس بغات تبني، وتشيّد، وتعطي درس فالحوار والمُساجلة، وأن من حق كل واحد في أن يجهر ويمارس توجهه السياسي دون أن تكون يافطة الأحكام جاهزة لتعليقها له بعنقه.. تعطات أجوبة كثيرة محللة لهاذ التصرف الدّال على ان مقترفه سئم الوطن بمن فيه لدرجة، أنه عبر عن احتجاجه، بحرق رمز سيادة اي وطن..
( وهاذ القلاّوي ديال تبجيّل وتقديس الأعلام معندو تا تبرير منطقي يخلي قطعة قماش أهم من الإنسان ومن الأرض ومن ثقب الأوزون، وكلما هنالك، أن حروب صدّر الاسلام والحروب الصليبية ورثت هذا الاهتمام بالأعلام كما ورثت طبّاع سيئة أخرى نجترّها بإسفاف وبلاهة لحدود يومنا هذا.. في الحروب القديمة، يُنتصر لشعار؛ يسقط المُحارب ولا يقع "البيرق" أرضاً؛ راية الحرب المرفوعة تحديدا لهوية من يقاتل ونفس الأمر للخصم المرصوص على الجبهة الأخرى.. يموت نصف الجيش، ونصف المحاربين، وحذاري ان يقع عَلم الجيش للأرض كي لا يُعد منهزما.. أي منطق هذا ينتصر للثوب على الروح؟ للقطن على الدم؟ للكتان على بشري قادر أن يخيط ألف قماشة بحجمها في ظرف ساعة؟ مشات العملية بهذا الشكل وبقات كموروث لدى الدول، وحقناتوا بوسائل عدة للجمهور العريض، وعُد الوطن قُماشة، وترك ثلة "الكمّاشة" في منآى عن المساءلة والمحاسبة وتلقي العقاب..
عن الاساءة الحقيقة للوطن..)
ونرجعوا لفرنسا لي قلت ليكم تم فتح نقاش جدي وهادف.. لما تتسارع وثيرة كرة البلد من مواطنيين فرنسيين أجدادهم كانوا حطب جيوش الفتوحات السابق؟ كلها يدلي بدلو ديالو.. ماحضر لا قاموس تخوين لا جنجلان منقيّ.. ما توصف لي قدم على الفعل بالعميل ولا بخادم أجندة خارجية بغات ترّجع فرنسا بحال سوريا..
واتضح أن التاريخ لم يعلمنا شيء.. تعلمنا كل شيء من التاريخ.. وقاحته.. دموّيته.. نزواته.. تقلبات مزاجه.. كل شيء تقريباً..
إلا أن نتمّعن في الدروس المقدمة مجانا لنتعظ ونعتبر..
والله أعلم عاوتاني..
ب.س:
*البلانكيين : كان بإمكاني نشرحها ليكم وفكرت نخليكم تقلبوا عن شرحها عن طريق بدل مجهود ذهني ورقمي بسيط.. فمعلومة في الرأس، خير من تقفي أثر شكون لي حذف أغنية سعد المجرد.. تحذف أغنيته ولا يموت هو كاع.. لا يهم..
ما يهم...
أن نخاف على الوطن..
حسن الحافة
0 تعليقات
أكتب لتعليق