حكومة سبعة رجال
إلى الآن الجميع مصدوم من خرجة العثماني المتلفزة ولا أحد يكاد يصدق أن المسؤول الثاني في هرم الدولة يأتي إلى التلفزيون الرسمي لكي يعيد على أسماع المشاهدين ما يطالعونه يوميا على شاشات هواتفهم من أخبار وتقارير.
وحتى عندما تتابع صفحة رئيس الحكومة على الفيسبوك أو حسابه على تويتر لا تكاد تعثر يوميا سوى على إحصائيات المصابين والمتعافين والمتوفين بسبب فيروس كورونا، وهي الأخبار التي يمكن للجميع العثور عليها في موقع وزارة الصحة. لكأن صفحة رئيس الحكومة أصبحت صفحة وفيات مثل أية صفحة وفيات في الصحف اليومية.
بنظري ربما هناك تفسير آخر لخرجة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني غير الرغبة في التواصل من أجل التواصل، يتعلق الأمر برسالة مفادها أنه يوجد منذ اندلاع الجائحة على الهامش ولا سلطة لديه على لجنة القيادة الوطنية التي تولت الأمر، وأن الاستراتيجيات الخاصة برفع حالة الطوارئ الخاصة بكل قطاع تنجز بعيدًا عن ديوانه.
كأنه جاء إلى التلفزيون لكي يقدم إبراء ذمة أمام ناخبيه وأعضاء حزبه، حتى إذا تعقدت الأمور لا قدر الله سيقول الجميع أن رئيس الحكومة لا يد له في الأمر، أولم يسبق له أن قال لنا في التلفزيون أن لا علم له بشيء مما يتم الإعداد له ؟
هذا اسمه تملص وتهرب من المسؤولية، وهي رياضة وطنية يمارسها السياسيون بشكل كبير عندنا.
نحن بمواجهة مرحلة صعبة يجب تدبيرها بصرامة وحنكة وذكاء ومسؤولية، لذلك فهناك حاجة ماسة لحكومة خبراء وكفاءات ليس لديهم حسابات سياسوية ضيقة مرتبطة بأجندة انتخابية.
مواجهة هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية التي تنتظرنا لا يمكن أن تكون بحكومة تتصارع مكوناتها ويتبادل داخلها الوزراء الاتهامات فيما بينهم حول من سرب هذه الوثيقة أو سرب مشروع ذاك القانون، وزراء كل ما يشغل بالهم هو الإستحقاقات الإنتخابية القادمة.
وعندما نحصي وزراء الحكومة نجد أن عددهم 24 وزيرًا لكن عندما نبحث عن من يوجد اليوم في واجهة المعركة لا نكاد نعثر على أكثر من سبعة وزراء بالكاد.
ومن مكر الصدف أن هؤلاء الوزراء السبع : المالية، الداخلية، الخارجية، الفلاحة، التعليم، التجارة والصناعة، الصحة، ليسوا منتوجا حزبيا اتخذ من السياسة مصدر عيش مثل بقية أغلب الوزراء الذين لم يشتغلوا بحياتهم سوى بالسياسة، والذين حتى عندما يتقاعدون يحصلون على معاش منها.
يتعلق الأمر بكوادر تكنوقراطية اقتضت الضرورة السياسية أن يلجوا بعض الأحزاب ويصبغوا أنفسهم بألوانها لأن هذه الأحزاب وصلت مرحلة متقدمة من سن اليأس بحيث لم تعد قادرة على إنجاب النخب، وكل ما أصبحت قادرة عليه هو إعادة تدوير النفايات السياسية التي لديها وتقديمها ضمن مقترحاتها للإستوزاز كلما طلب منها ذلك، ولذلك كان ضروريا تلقيم هذه الأحزاب ببعض الأغصان الجديدة، فمنها "اللي صدق"، ومنها "اللي لوى".
والواقع أنه لم ينل صنف من المجتمع من جلد وتقريع أكثر ما كان يتعرض له التقنوقراط، حتى كدنا نقنتع أن الكوادر غير الحزبية الموجود في الحكومة والإدارة لا تعدو أن تكون كائنات طفيلية تتغدى على ما ينتجه السياسي والحزبي من سياسات عمومية ومصادر للثروة.
ولولا جائحة كورنا التي عرت المستور لما انتبهنا لحجم الكائنات السياسية التي لدينا في الحكومة والبرلمان والتي لا تنتج سوى الشعارات ولا تستطيع العيش خارج مستنقع الشعبوية وإهدار الزمن السياسي الثمين في تصفيات الحسابات السياسوية.
ولعله من حسن حظنا أن الوباء الذي اقتحم بلادنا وجد كل المؤسسات الحساسة بيد شخصيات تقنوقراطية لم تنتجها الأحزاب ولم ترضع من لبن الاتكالية والفشل، وإلا كانت ستكون النتيجة كارثية للغاية، ولكان المصير لا قدر الله مجهولا.
علينا أن نحمد الله أن الشرايين التي يتنفس بها قلب المغرب من الأمن ورجال والسلطة والقضاء والصحة والاقتصاد والضرائب والصناعة والتجارة والتعليم والفلاحة وبنك المغرب تدبرها شخصيات غير متحزبة أو منفلتة من ثقل الممارسات الحزبية الضيقة.
وبدون شك لو خير المغاربة خلال هذا الوضع الحالي الذي يهدد وجودنا الجماعي، بين تدبير الكفاءات التقنوقراطية والقادة الحزبيين لكان الخيار الأول هو المفضل، فكل المغاربة أصيبوا بتخمة حادة بسبب فشل التدبير الحزبي لعقود في الأوضاع العادية المبني على الترضيات على حساب الكفاءات، وعلى الزبونية والولاءات على حساب القانون، لذلك فعندما يصبح تدبير الشأن العام مجرد ثرثرة أو جعجعة بلا طحين وشعبوية في زمن الرخاء، لا يبقى أمام المغاربة سوى اللجوء والفرار إلى جماعة التكنوقراط في زمن الشدة، لعل وعسى أن يكون الخلاص على أيديهم.
لذلك وجدت معظم القرارات التي اتخذها المشرفون على القطاعات التي توجد في الواجهة الأمامية من الحرب ضد الفيروس احتضانا شعبيا وشرعية مجتمعية، رغم بعض النقائص، والغريب في الأمر أن الأحزاب نفسها تحولت إلى أكبر منتج لمادة التنويه والإشادة لكل القرارات المتخذة من طرف من كانوا ينعتونهم بالتكنوقراط عوض القيام بدورها واقتراح بدائل، نقول هذا ليس لأن الوضع يتطلب الإجماع بل لأن قرارات التقنوقراط إلى حدود اليوم كانت واقعية وفعالة وذات بعد اجتماعي ساهم في تجنيب بلدنا اهتزازات أمنية وصحية وكوارث اقتصادية واجتماعية.
واليوم لا يطرح فقط سؤال خواء خرجة رئيس الحكومة في التلفزيون بل يطرح سؤال أعرض منه هو أين اختفى وزراء الحزبه الحاكم ؟ أين يختبئ وزراء قطاع التضامن والأسرة والتشغيل، لا سيما ونحن في أمس الحاجة لهذين القطاعين اليوم في ظل تفشي البطالة والمشاكل الأسرية ؟
السيد أمكراز وزير التشغيل يحضر بجسده لجنة اليقظة الاقتصادية دون أن يقدم أي إضافة، والسيدة وزيرة التضامن وضعت في قائمة المختفون رغم أن الزمان زمانها وقطاعها من أكثر القطاعات المعنية بهاته الجائحة. أما كاتبة الدولة في الجالية فيبدو أن الفيروس أنساها أنها مسؤولة عن 5 ملايين مغربي يعيشون بالخارج يمدوننا سنويا ب5000 مليار سنتيم لأداء أجور أمثالها، منهم 22 ألفا عالقون في قارات العالم الخمس.
هل فهمتم الآن لماذا خرج سعد الدين العثماني لكي يقول للمغاربة أنه لا يملك أية رؤية أو استراتيجية للمستقبل ؟
رشيد نيني
0 تعليقات
أكتب لتعليق