الدروس يجب أن يقرأها جيدا من يحركون صحافة المراحيض ويستسهلون أعراض الشرفاء

الأحدث

6/recent/ticker-posts

الدروس يجب أن يقرأها جيدا من يحركون صحافة المراحيض ويستسهلون أعراض الشرفاء















دروس البشير السكيرج

سليمان الريسوني

ثلاثة دروس يمكن استخلاصها من شريط الفيديو الذي أساء فيه الممثل البشير السكيرج، بوقاحة، إلى الأسرة الملكية. الدرس الأول، هو أن طريقة تواصل القصر الملكي مع عموم المغاربة يجب أن يُعاد فيها النظر، وأول خطوة يجب القيام بها في هذا الصدد، هي العودة إلى تفعيل وظيفة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، بدل ترك الحبل على الغارب لصفحة الفايسبوك التي تُدار باسم سفيان البحري.
وألا تقتصر وظيفة الناطق باسم القصر على إعلان ما هو رسمي من الأنشطة الملكية، بل أن تشتغل كإدارة تتعقب الأخبار والإشاعات الرائجة بقوة عن أفراد الأسرة الملكية، وتعمل على معالجتها بتأكيدها أو تصحيحها أو نفيها أو حتى التنبيه إلى أن الموضوع الفلاني شأن خاص بالفرد الفلاني من أفراد العائلة الملكية، وأنه في حالة تضمن أي مطبوع أو صحيفة إلكترونية قذفا أو سبا أو مسا بالحياة الخاصة لشخص الملك أو لشخص ولي العهد أو لأعضاء الأسرة المالكة، أو إخلالا بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك، فسوف تتم متابعة المسؤول عن ذلك وفق القوانين الجاري بها العمل.

إن المنطق السلطاني القائم على أن الرعية لا يحق لها الخوض في ثلاثة مجالات، هي: السياسة والشريعة وشخص السلطان، لم يعد قائما إلا في المجال الأخير، بعدما أصبح نقاش السياسة والشريعة متاحا للعموم. لكن النبش في الحياة الشخصية لشخص الملك وأفراد الأسرة الملكية، لم يعد مقيدا فقط، بضوابط الآداب السلطانية العتيقة، بل، أيضا، بقواعد الأخلاق الحديثة التي ترفض النبش في الحيوات الخاصة للأفراد، فكيف إذا كانت الحياة الخاصة لرئيس الدولة وأسرته.

لكن، إذا كان المغاربة يجدون أنفسهم، من حين لآخر، أمام أخبار وإشاعات تتسرب إليهم من شقوق القصر الملكي، وتزيد من تأجيجها الصحافة الدولية، أو أمام تصريحات مشوشة صادرة عن شخص لا يتوقف عن تقديم نفسه على أنه كان مهرجا للملك (bouffon du roi)، وأنه على علاقة بالجنرالات والأصهار وكبار المسؤولين.. لإعطاء مصداقية لكلامه، فإن وضع سياسة تواصلية للقصر الملكي باتت أمرا ملحا.

سياسة تعيد تفعيل وتوسيع دور الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، وأيضا تضع استراتيجية لخرجات ملكية مع الصحافة، تبدأ بإجراء حوار ملكي مع صحافيين مغاربة، لاعتبارين اثنين، أولهما لأن المعنيين الأولين بوضع المغرب وبمواقف ملكه، هم المغاربة. ثانيا، لتبديد الفكرة القائمة على أن المحيط الملكي يستخف بالصحافة والصحافيين المغاربة.

إن قيمة إجراء الملك حوارات مع صحافيين مسؤولين وشجعان، تكمن بالأساس في جعله يتحدث عن أمور مهمة لا يتجرأ المحيطون به على سؤاله عنها؛ ففي الحوار الذي أجراه مع مجلة "باري ماتش" في 2002، لم يتردد الملك في تصحيح المعلومة التي كانت رائجة عن أن صهره هو مسؤول بنكي كبير، حيث قال: "صهري رجل تعليم يسكن في مدينة فاس، وزوجتي مهندسة معلوميات".

كما أنه في الحوار الذي أعطاه قبل سنتين لوسائل الإعلام في مدغشقر، تطرق إلى أمر كان له ما بعده، فيما يخص جدل حرية المعتقد، حين قال إن: "ملك المغرب أمير للمؤمنين بكل الديانات.. والمغرب لا يسعى قطعا إلى فرض الإسلام".

الدرس الثاني، الذي يمكن استخلاصه من شريط السكيرج، هو أن العلاقة التي تؤسسها دوائر المال والقرار داخل الدولة مع فنانين ومثقفين وصحافيين.. يتظاهرون بالولاء لها، هي علاقة أوهن من خيط عنكبوت، لأنها تقرن الولاء بالعطاء، وكلما توقف الثاني انقطع الأول.

بل أحيانا ينقلب الخنوع إلى حقد، مثلما يعبر عن ذلك أبو حيان التوحيدي من خلال مفهوم "الذحل"، الذي شرحه الفيلسوف المصري عبدالرحمان بدوي بقوله: "الذحل هو الشعور المتكرر بإساءة سابقة لقيها الإنسان، ولم يستطع أن يردها ويتشفى ممن قدمها، لعجز فيه عن رد الفعل في الحال، فتراه يتذكرها من بعد".

إن ما جاء على لسان البشير السكيرج من تجاسر وقحٍ ومخلوط بكثير من الكذب والادعاء، إذا لم يكن يدخل في هذا الباب، فإنه يدخل في باب علاقة الفنان بالسلطة، وهي علاقة يحكمها الرياء والتنطع في المدح بدل النقد، وبالتالي، فإن الكثير من الفنانين المحسوبين على السلطة، شأنهم شأن السياسيين غير المستقلين، يجدون في المجالس المغلقة مجالا للتنفيس، ويعطون "الصباعيات من تحت الجلابيات"، كما جاء في النكتة المعروفة.

الدرس الثالث والأخير، الذي يجب استخلاصه من دروس البشير السكيرج، عنوانه: اللعب بالنار، حيث إن السلطة عملت في السنوات الأخيرة على خلق وتشجيع عشرات الجرائد، بل الجرائم، الورقية والإلكترونية، مهمتها الوحيدة هي التشهير بالسياسيين والحقوقيين والصحافيين المستقلين، والنبش في حيواتهم الخاصة، وتلفيق حكايات لا أخلاقية لهم.

هذه الجرائد والمواقع هي التي تصدرت، مؤخرا، الجبهة المكلفة بالقتل الرمزي لزميلها الصحافي توفيق بوعشرين، إلى درجة أن رئيس تحرير أسبوعية ورقية وموقع إلكتروني من هذا النوع، لم يكتف بما ينشره من أخبار كاذبة ضد زميله المعتقل، بل تفرغ، خلال شهر رمضان المنصرم، للاتصال بقيادات حزبية، والقول لهم إن المحكمة ستعرض شريطا لبوعشرين رفقة شقيقة زوجته، وحصل أنني كنت رفقة مسؤول سياسي عندما اتصل به هذا الزميل الرديء، قبل أن أؤكد له ولغيره، لاحقا، بأن زوجة بوعشرين ليست لها أخت أصلا.

إن من وقَّع على قرار التلاعب بالصحافة وتحويلها من وظيفة الإخبار إلى وظيفة الاستخبار، لا يعرف بأنه يلعب بنار ستكون حرائقها واسعة، لأننا عندما نجتث الصحافة المهنية ونزرع صحافة التشهير، فمن المؤكد أننا سنحصد أجيالا لا تهتم بالخبر والتحليل والتحقيق الصحافي، بل تبحث عن الإشاعة الماسة بالأعراض، كما يبحث مدمن عن جرعته من الهروين.


إرسال تعليق

0 تعليقات

Comments system

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *