"يجب تطبيق العلمانية لتفادي إنجراف التربة" عصيد

الأحدث

6/recent/ticker-posts

"يجب تطبيق العلمانية لتفادي إنجراف التربة" عصيد

لم أُعافر الزمن والحياة في سبيل بلوغ مجد معين أو مركز في وظيفة لهذا أشعر بٱرتياح تام لما آلت له حياتي وسنوات عمري تطلُّ على الأربعين.. لم أجتهد في أي ميدان لأكون اليوم ناقماً على الواقع المُعاش، ولم أبدل طاقة كبيرة في الكدّ والتحصيل والعمل؛ لهذا تراني اليوم لا أطلب الحصّاد والغلة والجزاء، وكل ما هنالك، أن المربع المرّيح الذي رسمته عن إرادة واقتناع بأن لا شيء يستحق أن تستهلك سنوات عمرك في سبيل الحصول عليه، يحوزُ ما انتظرته.. وربما للاطلاع المبكر على رواية نيكولاس غوغول (المعطف)، دور في هذه الرزانة المبكرة في فهم تراجيديا الحياة واللاّأمان الذي يجب أن تتعامل معه بها لسرعة تقلب مزاجها .. وتحكي قصّة الرواية، لمن لم يطلع عليها بعد، عن العجوز أكاكي أكاكفيتش، الذي سعى لشراء معطفٍ طويل سبق وأن شاهده من خلف زجاج واجهة محل لبيع الملابس وتمناه لو كان فوق أكتافه، تلك الأمنية المُزعجة، وتخيل شكله به أنيقاً قريباً من شكل الأسياد والنبلاء الرّوس، دفعه للادخار والاكتناز لجمع المبلغ المطلوب لشراء المعطف، وفي معمّعة صراع تحصيله لثمنه، نسى أن يعيش الحياة، وأرهقَ نفسه في ساعات الدّوام الإضافي، وقلّل من وجباته الغذائية، وقطع علاقته بالكثير من الإدمانات الجميلة، وتمادى في تخيل احساس عروقه حين يُلامسها دفء المعطف في ليالي الشتاء الباردة.... وبعد سنوات من الادخار والتعب، استطاع شراء المعطف _ الحلم _ وارتداه في جولته المسائية بالمدينة.. وليلتها، حين كان عائدا للبيت، اعترض اللصوص طريقه وسرقوا المعطف من فوق أكتافه وهو الذي لم يتحصّل بعد على فاتورة كل التعب الذي عاشه في سبيل الحصول عليه والإستمتاع بدفئه .. هذا الغبن والاحساس بالمهَانة أدخلاه في حزن وكآبة شديدين، ليتحولا لحُّمى قاتلة أزهقت روحه كمداً ويأساً على فقدان المعطف. الاطلاع المبكر _ في سنوات الثانوية _ على قصة أكاكي أكاكفيتش، عبر رواية (المعطف) لنيكولاس غوغل، هو ما شكل الارتياح الذي يغمر حياتي اليوم، إذ لم أسعَ يوما وراء غاية أو حلم أو أُمنية، لمعرفتي المسبقة بأنها لا تستحق تضييع الأشياء الجميلة على غاية قد تدركها ولا تتمتع بها. لم أبحث عن نهاية جميلة لحياتي حتى أكون غير مطمئن لما سيأتي به الغد، حتى الأسنان التي نصّحونا في الابتدائي بالاعتياد على غسلها مرتين على الأقل في اليوم لتحتفظ بصلابتها وتماسكها، وقصد تحفيزنا، ووزعوا علينا مَعجوناً مغشوشاً وفرشاة قاسية، ومع ذلك لم أمنحها تذوق طعمه، ولا كان لها شرف الحكّ بالفرشاة، وها أنا اليوم أفقدُها الواحدة تلو الأخرى ولا أشعر بأي قلق حيال ذلك .. كلنا سنختفي في يوما ما ولا يهم إن كانت لك أسنان أم لا !! لم أحاول أن أكون غير أنا منذ أن عرفت بأن شعر الإبطين ينتفُ ولا يُجزُّ بالشّفرة، فوقع الرهان على أن لا تُتعب نفسك بالركض والحفر والمربع المحجوز كاف لأن تمد رجليك وتنام، ولا مهابة من المستقبل لأنك، في الأصل، لم تطمح لما سيزعج راحتك على عدم بلوغه وإدراكه.. كل هذا التصالح والهُدنة مع الحاضر جاء نتيجة اجتهاد في التسليم.. التسليم بأن الحياة غير قابلة للمُصاحبة، للمُعاندة، للعناد، للعراك، للحب.. حتى أني لم أمنح مشاعر الحبّ لأحد حتى أطلب اليوم تعاملاً بالمثل ..

إرسال تعليق

0 تعليقات

Comments system

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *