عمود شوف تشوف .....صنع في المغرب...... رشيد نيني

الأحدث

6/recent/ticker-posts

عمود شوف تشوف .....صنع في المغرب...... رشيد نيني










صنع في المغرب

بعض القراء الأعزاء من متابعي ما أنشر في هذه الصفحة علقوا على دعوتي لتشجيع السياحة الداخلية في هذه الأزمنة الصعبة التي يجتازها هذا القطاع ومستخدموه بسبب الجائحة مرحبين بالفكرة، لكنهم سجلوا ملاحظة وجيهة تتعلق بجودة العرض السياحي الوطني وتنافسيته. 
وقارن بعضهم بين كلفة عطلة في الجنوب الإسباني المنخفضة وكلفة عطلة في إحدى مدن الشمال المغربي الباهظة، وكيف أن الفرق شاسع ليس فقط من حيث السعر بل من حيث جودة العرض السياحي. 
ولعل أول ما يثير السياح المغاربة عندما ينزلون في فنادق بلدهم، هو رداءة الخدمات، وارتفاع الأسعار.. «كاين شي بلاد فيها قرعة ديال الما بثلاثين درهم»؟
والمصيبة هي أنك عندما تنزل من غرفتك، ورأسك مبرقق بلدغات البرغوت، لكي تفطر في الفندق، بمجرد ما تسأل عن طعام حتى يقولون لك «تقاضا»، «كاين لومليط»؟ «لا تقاضا لينا البيض». كاين العصير»؟ «لا تقاضا لينا الليمون». وهذا يحدث في فنادق مصنفة يا حسرة شعارها هو «اللي بغا يفطر يفيق بكري»، وكأن الأمر يتعلق بجائزة وليس بإفطار دفعت ثمنه من جيبك. والسبب هو أن جشع أصحاب هذه الفنادق يدفعهم إلى التجوعيف على حساب الزبائن.
السائح المغربي يبحث عن الجودة والخدمة اللائقة والنظافة، وهذا بالضبط ما يفتقده في جل فنادق المغرب ويذهب للبحث عنه في فنادق إسبانيا وتركيا والبرتغال وغيرها من الوجهات السياحية التي أصبح يقصدها المغاربة.
وهكذا عوض أن تساهم السياحة في جلب العملة الصعبة أصبحت، بسبب بؤس خدماتها ورداءة عروضها، تتسبب في نزيفها.
إن مشكلتنا الحقيقية هي الغش وقلة المعقول، سواء في السياحة أو في غيره. نلبس ملابس مزورة ونستمع ونشاهد موسيقى وأفلاما مقرصنة، ونقتات على مواد غذائية مهربة. حتى برامجنا التعليمية والإعلامية العمومية ومشاريعنا السياسية وقوانيننا منقولة حرفيا عن الخارج. وفي الأخير يأتي المندوب السامي للتخطيط لكي يقول لنا بأن المنتوج المحلي لا يستطيع منافسة المنتوج الأجنبي، ولذلك فعلينا دعم هذا المنتوج داخليا. وينسى أن السبب في عدم قدرة المنتوج المحلي على منافسة نظيره الأجنبي، هو أن منتوجنا مغشوش. ويمكن أن تكذب على الزبون مرة واحدة فقط، لكنه بمجرد ما سيكتشف غشك «سيقلب» علينا إلى الأبد. 
وشخصيا أعتقد أن احتقار المغاربة لعلاماتهم التجارية الوطنية وللمنتوج المحلي وإقبالهم على المنتوج الأجنبي لديه سبب موضوعي وآخر نفسي‪.‬
السبب الموضوعي هو أن المنتوج الوطني يعاني فعلا من عائق التنافسية على مستوى الجودة والسعر مقارنة بالمنتجات المستوردة. وهنا لا نتحدث فقط عن السياحة والصناعات الغذائية وإنما أيضا عن مواد التنظيف والأثاث المنزلي وقطع الغيار والآلاف من المنتجات التي تغرق السوق الوطنية وتعجز الصناعة المحلية عن منافستها‪.‬
أصحاب المنتوج المحلي لديهم رغبة مرضية في الربح السريع على حساب الجودة وتنافسية السعر، أما شي حاجة سميتها "الخدمة بعد البيع" فهذا شيء لا يؤمنون بوجوده أصلا، وأعتقد أننا نحتل مؤخرة الترتيب في العالم في هذه غياب هذه الخدمة، وبمجرد ما يبيعك أحدهم شيئا يضربها لك بنكرة إذا اكتشفت أن المنتوج فيه عطب. وهم بهذا السلوك يعتقدون أنهم في قمة الذكاء فيما هم يقترفون فعلا غبيا من الناحية التجارية ويفقدون زبونا إلى الأبد لصالح منتوج أجنبي‪.‬
أما السبب النفسي فيتعلق بمشكلة عدم الثقة في النفس التي تشكل أكبر إعاقة نفسية يعاني منها المغربي عموما‪.‬
فالمغربي لديه نقص في الثقة بنفسه، إذ عليه أن يجهد نفسه بالتكلم بلغة أجنبية لكي يثبت نفسه وجديته لمخاطبيه، ويجب أن يستهلك منتوجا أجنبيا رغم أن منتوجه المحلي أحسن، فقط لكي يعطي الإنطباع أنه يتابع الموضة العالمية في الإستهلاك‪. ‬
وحتى زيت أرغان لم يلتفت المغاربة لمزاياها حتى ذاع صيتها وأصبحت مشهورة ومطلوبة عالميا، وكذلك الشأن بالنسبة للهندية التي كان استهلاكها مقتصرا على الفقراء وسمعتها في الحضيض بسبب عصمها لأكثر من واحد، فأصبح تناولها اليوم موضة فقط لأن برامج ومجلات علمية أجنبية أثبتت قيمتها الغذائية والتجميلية، فأصبحت الهندية ليها الشان تباع بدرهم للحبة بعدما كانت "جوج بريال والموس من عندي"‪.‬
إذن يجب أن يأتي المغربي بالإعتراف من الخارج لكي ينال الإحترام في الداخل، وهذا ينطبق حتى على الباحثين والأدباء والفنانين الذين يعودون من الخارج إلى المغرب بعدما حققوا الشهرة فيتم الإحتفاء بهم هنا بشكل يتجاوز الحدود، رغم أنه لدينا من هم أحسن منهم لكن ذنبهم الوحيد هو أنهم لم يهاجروا ولم يجلبوا الإعتراف من الخارج‪.‬
وهذا الإفتتان بالمنتوج الأجنبي جعل الميزان التجاري الوطني مختلا دائما لصالح الواردات، بحيث وصل عجزه سنة 2019 إلى 122,8 مليار درهما‪. ‬
علينا أن نكون واضحين، فالحكومات المتعاقبة كانت تعرف أن اقتصاد المغرب لا يمتلك القدرة التنافسية لغزو أسواق البلدان التي وقعوا معها اتفاقيات التبادل الحر ومع ذلك "تلاحو بلا سروال"، والنتيجة هي أننا وصلنا للحد الذي أصبحنا فيه نرى كيف تفلس 8 آلاف مقاولة وطنية في سنة واحدة وكيف أصبحنا نستورد كل شيء من أمريكا وتركيا ومصر وتونس وفرنسا وإسبانيا‪.‬
المشكل يا سادة لا يوجد في اقتصاديات شركاء المغرب، فلا يمكن أن نلوم شريكا مثل تركيا لأن اقتصاده تنافسي ولديه قدرات شرسة على فرض بضاعته بأسعار تنافسية في الأسواق الخارجية والدفاع عنها. المشكل يوجد في اقتصادنا نحن الذين لا ندعم الماركات المحلية ولا نشجعها على التصدير نحو الخارج كما تصنع تركيا مثلا مع العلامات التي تريد غزو العالم‪.‬
ودعونا نعطي مثالا بسيطا في مجال الأثاث المنزلي حيث نرى كل يوم دخول شركة تركية جديدة للسوق المغربي
‏‪Zebrano, Enza home, Ozbay furniture, Yatsan, Adolia, Antalya home... وشركات غيرها كثير فتحت محلاتها في كل من الدار البيضاء مراكش طنجة والرباط، وكل هذه الشركات لا تحقق أرباحا، خصوصا مع كساد سوق العقار، ومع ذلك تستمر في فتح محلات جديدة، هذا في الوقت الذي تختنق فيه شركات أثاث منزلي مغربية رغم أنها تقدم ديكورات أصيلة مستوحات من الصناعة التقليدية المغربية وتشغل يد عاملة مغربية وتدفع‬ ضرائب للدولة. 
هناك سببين لما يحصل، أولا هناك عدم دعم الحكومة لهذه الشركات الوطنية لكي تتطور في الداخل وتستقر في الخارج وتفتح فروعا بالنظر إلى جاذبية الصناعة التقليدية المغربية‪. ‬
وثانيا هناك احتقار من طرف المغاربة للمنتوج المحلي على حساب الإنبهار بالمنتوج الأجنبي حتى ولو كان رديئا، وذلك راجع بالأساس للتأثير الذي تمارسه الصناعة التلفزيونية التركية من خلال المسلسلات التي تروج لنمط عيش تركي عصري‪.‬
عندما كان المغرب يتفاوض حول اتفاقية التبادل الحر من الولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن قبل بكل شروط الأمريكيين الذين استباحوا السوق المغربية في وقت عجز فيه المفاوضون عن فرض الحمائية عن مواد ينتجها بشكل كبير وتضمن الشغل لمئات الآلاف. وهكذا صرنا نرى التمر المجدول الأمريكي، المعروف خطأ بتسمية "المجهول"، والذي استنبته الفلاحون الأمريكيون في صحاري كاليفورنيا بعدما أخذوه من صحاري الرشيدية، يباع في الأسواق المغربية وينافس "المجهول" المحلي‪.‬
وبما أن المغرب يتوفر على احتياطي مهم جدا من الحمير، فإن اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية يحضر فيها الحمار كإحدى المواد التجارية التي يستوردها الأمريكيون من المغرب‪. ‬
ولهذا فالحمار المغربي معفى من الضرائب الجمركية في اتفاقية التبادل الحر بين الرباط وواشنطن. سعداتو، باش يمشي لميريكان ما محتاج يشارك لا فقرعة، لا يخلص لا فيزا لا ضريبة.
وحسب إحصائيات مكتب الصرف، فالمغرب يصدر سنويا حوالي 1500 حمار. وليس أي حمير من فضلكم، وإنما الحمير «الأصيلية»، يعني حمار «دوريجين». فالحمير عندنا مثلها مثل البشر، هناك الأصليون وهناك المزيفون. بالإضافة طبعا إلى «الكياضر»، والتي لا أحد يطلبها منا في الخارج فتبقى عندنا في الداخل «تزعرط» في الوقت الذي تظل فيه الخيل مربوطة.
رشيد نيني

إرسال تعليق

0 تعليقات

Comments system

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *